«الجلاهمة» تحوّلت إلى مقر للأمانة وعين ميّالة إلى مدرسة
تـواجـه آثـار الـمـنـطـقـة الـشـرقـيـة خـطـر الانـدثـار بـعـد ان تـم تـدمـيـر بـعـضـهـا والـبـعـض الآخـر فـى طـريـقـه إلـى الـزوال .. ولـعـل ذلـك هـو مـا دفـع بـاحـث الآثـار عـبـد الـخـالـق الـجـنـبـي إلـى دعـوة الـجـهـات الـمـعـنـيـة لـسـرعـة الـتـحـرك لإنـقـاذ مـا تـبـقـى مـن مـواقـع أثـريـة فـي الـمـنـطـقـة والـتـي تصل إلى 52 موقعا .. وطالب بترميم الآيل للسقوط منها مثل ”ما تبقى من قلعة القطيف وقلعة تاروت، وحمام أبو لوزة وبيت الحجاج وعين الكعبة” إضافة لإعادة تشييد ما سقط أو أزيل من الآثار ما أمكن مثل ”قصر الوزارة بسنابس وبعض مباني القلعة ”وتهيئتها للسياح.
تأهيل الحاراتوشدد الجنبي على ضرورة تأهيل وتهيئة الأماكن السكنية ”الحارات” القديمة في محافظة القطيف في كل من ”الكويكب، الدبيبية، ميّاس، وبعض القرى القطيفية” لدخول السياح إليها ومشاهدتها بسهولة.
وأضاف الجنبي إن من الأهمية بمكان العمل على استقدام مجموعة كشف أثري متخصصة في الكشف عن الآثار للقيام بعمليات إعادة كشف في مواضع الآثار المسيجة في جزيرة تاروت وجاوان، لاسيما تلك المواضع الأثرية العائدة للحقب العبيدية، والدلمونية والهلينيستية. وأكد على تأهيل مقبرة جاوان وتهيئتها لزيارة السيّاح مع وضع صور لما تم اكتشافه فيها أو بعض المكتشفات في غرفة نموذجية خاصة بالقرب منها.
تدمير عمد واشار الجنبي الى ان هناك الكثير من الآثار التي تم تدميرها للأسف إما عمدا أو إهمالا بعدم صيانتها فقد كان في الدمام قلعة داخل البحر هي قلعة الجلاهمة وعندما أسست مدينة الدمام الحديثة بُني مبنى أمانتها الحالي على موقع تلك القلعة وبدلاً من ترميمها وإحاطتها لتكون رمزاً للأمانة، كما تفعل الكثير من أمانات المدن العصرية قاموا بدك ما بقي منها وتسويته بالأرض، مضيفا إنه كانت تقوم في عنك من قرى القطيف قلعة جميلة التصميم بالقرب من عين ماء قديمة تسمى عين ميّالة ولكنّ وزارة المعارف عندما أرادت بناء مدرسة في عنك ذات الفضاءات الواسعة لم تجد سوى القلعة فقامت بدكها وبنت عليها المدرسة.
تاجر اللؤلؤ
وأشار إلى أن قلعة تاجر اللؤلؤ الشهير الشيخ محمد بن عبد الوهاب الفيحاني في دارين تأتي في مقدمة الآثار التي تم تدميرها بسبب الإهمال وترك الصيانة وهذه القلعة كانت واحدة من أجمل القلاع الساحلية ويوجد لها صور كثيرة تدل على جمالية تصميمها ولكنها دُمرت الآن بالكامل وسويت بالأرض ولم تحرك الجهات المختصة ساكناً لترميمها. فيما كان قصر قريمط في قرية البطالية دار إمارة الأحساء في عهد الدولتين القرمطية والعُيونية ويقوم على كنوز آثارية كثيرة تحته وبدلاً من استكشافه وترميمه وجعله معلماً سياحياً قامت وزارة المعارف بكسح جزء كبير منه وبناء مدرسة عليه مما ساهم في ضياع الكثير من الآثار التي تحيط به أو يقوم عليها، وكذلك لا ننسى مسجد جواثى الشهير الذي هو ثاني مسجد أقيمت به صلاة الجمعة بعد مسجد الرسول – صلى الله عليه وسلم – بالمدينة .. اما قلعة تاروت الشهيرة فتم ترميمها بجهود أهلية ولكنها الآن في حالة مزرية وتدل بعض الشقوق والتصدعات فيها على انهيار وشيك لها ما لم تسارع الجهات المختصة إلى ترميمها وصيانتها. وأشاد ببلديات ووكالات الآثار بدول عمان والإمارات وقطر والبحرين التي قامت بترميم الكثير من القلاع والحصون التي في بلادها كما نراه ونشاهده فيها.
آثار القطيف وكان لابد للمبدعين الذين هم من سكان هذه الواحة أن يتركوا آثارا تدلُّ عليهم وعلى إبداعهم، وهو أمرٌ لا شك فيه ولكن هذه الكثبان الرملية الهائلة التي زحفت على المنطقة منذ مئات السنين وأكلت الأخضر واليابس لم تبقِ من تلك الآثار ما هو ظاهرٌ على وجه الأرض بل طمرته تحتها ولولا أنْ قيّض الله لها في زمننا هذا بعض رجال الآثار الغربيين الذين كشفوا عن بعضٍ منها وليس كلها لظللنا جاهلين بما هو مدفون تحت أقدامنا منذ آلاف السنين وبالفعل كشف هؤلاء الآثاريون الأفذاذ كأعضاء البعثة الدانماركية وبضعة رجال ونساء آثارا قبلها وبعدها وبعض الصُّدَف أيضاً عن كثير من المخلفات واللقى الأثرية العائدة لحقبة فخار العُبيد والحقب السومرية والأكدية المتزامنة مع الحقب المحلية المعروفة بالدلمونية، أما مخلفات الحقب الدلمونية المتزامنة مع حضارات بلاد الرافدين كالسومرية والأكدية فهي موجودة في كل المنطقة وبالتالي فهي خارج الاستقصاء بسبب أنه لم يحصل للمنطقة كشف منهجي ومبرمج عن آثارها بعد .
جزيرة تاروت تظل جزيرة تاروت واحدة من أهم المواضع الآثارية ليس في منطقة الخليج فقط وإنما على مستوى الشرق الأدنى القديم كله ويرى بعضُ الباحثين أنه قد يكون اسمها القديم له ارتباط بأمم الحضارات القديمة في بلاد الشام ومنهم الفينيقيون واكتشفت البعثة الدنماركية فيها صوانية مصنّعة منها شفرة سكين قُدّر تاريخها إلى العصر الحجري الحديث ”7500 – 5500 ق.م” إضافة لآثار من الحقب التاريخية المتعاقبة والتالية له بدءاً من عصر دلمون وباربار (الألف الرابع – الألف الأول ق.م)؛ مروراً بالعصر الهيلينستي (325 – 100 ق.م) الذي قدمت تاروت أجمل الفخاريات العائدة له في المنطقة. كما تضم تاروت جزيرة دارين المشهورة جداً في التاريخ والأدب العربي .
جاوان الأثريةوتقع منطقة جاوان شمال شرق صفواء الواحة القطيفية المعروفة ودلت الآثار المكتشفة فيها وفي المنطقة المحيطة بها على وجود استيطان بشري قديم جداً يعود إلى عصر صناعة فخار العُبيد إلا أنّ أهم اكتشاف في المنطقة هو القبر الجَماعي الذي عُثر عليه بالصدفة أثناء قيام الجرافات بكسح تل رملي بغية الاستفادة من رمله في مشاريع خاصة بشركة أرامكو، ففوجئ بعض سائقي الجرافات بشيءٍ قوي ضربته جرافته تحت الرمل واستكشافه لذلك الشيء تبين أنه مبنى صخري مدفون تحت رمل ذلك التلّ فأوقفوا العمل في ذلك الموضع وأخبروا مسئولي الشركة عن ذلك والتي أبرقت للجهات المعنية في المملكة طالبة الإذن بالكشف عن ذلك البناء فأتتهم الموافقة على ذلك وبالفعل قامت مجموعة خاصة من الشركة برئاسة موظف آثاري اسمه فيدال بالكشف عن ذلك البناء ليتضح أنه قبر كبير لأحد الزعماء الكبار الذي يبدو أنه قُتل هو وأفراد عائلته البالغ عددهم أكثر من 10 أشخاص من قبل أعداءٍ له ودفنوا على ما يبدو بكامل ممتلكاتهم وحليهم إلا أنّ لصوص القبور قاموا بسرقة الكثير من هذه الممتلكات خاصة الحلي باستثناء قبر منزوٍ لفتاة صغيرة منهم غفلت عنها أعين اللصوص لتبقى حتى وقت إزاحة التراب عن القبر، وليكتشف قبرها الواقع خارج القبر الكبير في إحدى زواياه ويستخرج هيكلها بكامل حليه التي كانت عليه وأثار اكتشاف قبر هذه الفتاة ضجةً إعلامية كبرى حينها.
واحة الآجام اما واحة الآجام فتقع ببرّ القطيف غرب الجزء الشمالي الغربي لواحتها بثلاثة كيلومترات تقريباً. ومن أهم الآثار في هذه الواحة المزار الذي في مقبرتها الجنوبية، كما أنّ من أهم آثار هذه الواحة هي منطقة تويريت التي يوجد بها أكثر من عشرة كويكبات ”ثقب مائية عميقة جداً” ذات تاريخ موغل في القدم وهي تقع بالقرب من بعضها البعض بحيث لا تتعدى المسافة بين الواحد والآخر أكثر من 10 أمتار فقط ويروي الأهالي أن هذه الكويكبات كانت تفور في السابق بالمياه لتغطي كامل الأرض المنخفضة الواقعة إلى الشرق منها، والتي تُسمى بـ(خور تويريت)، وبالمناسبة فلفظة (تويريت) هي تصغير (تاروت)، وربما يكون في ذلك دلالة ارتباط بين هذين الموضعين لا نعلمه الآن.
عينا الكعبة وبرزة
اما عينا الكعبة وبرزة فهي منطقة نزهة تقع شمال الموقع الأثري المعروف بالقُرين وجنوب غرب القرية القطيفية المعروفة بالجش وفي هذه المنطقة عينا ماء هما عين الحنّاة الكبرى وهي عين محفورة أعلى هضبة صخرية تسمّى بـ”برزة” والأخرى تُسمى حتى الآن بالكعبة ولكن بنطق الكاف كما ينطقها معظم القطيفيين مشابهة لنطق الحرفين الإنجليزيين (CH)، وقد كانت هذه العين في يوم من الأيام واحدة من أقوى عيون واحة القطيف، ويقال إنّ القرامطة عندما أخذوا الحجر الأسود من الكعبة عام 317هـ وضعوه في هذا المكان، وأقدم من ذكر وضعهم إياه فيه من المؤرخين هو شارح ديوان ابن المقرّب في منتصف القرن السابع الهجري، وذلك عندما أورد نصّ خطاب الثائر العبدي عوّام بن محمد المشهور بأبي البهلول إلى ديوان الخلافة العباسية عام 457 هـ. أي بعد قرنٍ ونيّف فقط من وقت انتزاعه من الكعبة .
القـُرين والبر القرين .. منطقة تحيط بها بساتين النخيل من كل جوانبها غرب الجزء الشمالي من بيوت بلدة سيهات القديمة بكيلو مترين تقريباً ويربط بينها وبين البلدة طريق زراعي قديم، وقد قُيِّر في عصرنا هذا .. وسُميت هذه المنطقة بالقُرين لأجل وجود تلٍّ رملي يحيط ببعض الصخور الجيرية يُدعى القُرين، والقُرَيْن تصغير القَرْن، وهو يعني الجبيل الصغير المنفرد، أو حرف الرابية المشرفة على وهدة صغيرة، وهذا كله ينطبق على هذا التل ويوجد في هذا التلّ بعض الآثار القديمة التي تعود إلى ما قبل الإسلام .. اما البر الغربي للواحة فهو الملاصق لحافة بساتين النخيل الغربية للواحة، واكتشف في هذا البر الكثير من اللقيات الأثرية الهام، ومن أهمها قطعة حجر منقوش فيها كتابة بالآرامية، كما وجد بالقرب من نقا رملي يسمى بـ «نقا المهاشير» بعض اللقى العائدة للحقبة الهلينيستية.
عيون أثريةواوضح الجنبي أنه استطاع حصر أكثر من 350 عيناً بأسمائها وأنّ أكثر من ربعها قد دفن الآن وأنّ عملية الدفن ما زالت مستمرة خصوصاً الواقعة داخل القرى أو قريباً منها بسبب نضوب مياهها أو خوف الأهالي من وقوع أطفالهم فيها ومن أشهرها عين الرواسية وعين القحّة وعين القصير وهي عيونٌ كانت في يوم ما من أكثر العيون تفضيلاً للسباحة من قبل أهالي مدينة القطيف. وأشار إلى أن من أهم تلك العيون عين الكعبة وتكمن أهميتها فيما تحمله من بعد تاريخي ارتبط بالحجر الأسود، وتقاربها في هذه الأهمية عين برزة الواقعة للجنوب منها وهي محفورة فوق هضبة مرتفعة عما حولها وفي هذه الهضبة من الكسر الفخارية وتنوعها ما يدل على أنها كانت موضع سوق قديم، وكذلك عين الصَّدريّة الواقعة غرب قرية القديح وعين الأعراف شمال غرب قرية العوامية، حيث عُثر بالقرب منهما على عملات ومسلات ولقيات أثرية قديمة، وكانت هناك عيونٌ أخرى تكمن أهميتها في أنها كانت أماكن سياحية يقصدها الزوار للاستحمام والاستجمام والتنزه بالإضافة إلى تاريخها الموغل في القدم، ومن هذه العيون عين داروش وعين العتيقة والعين الوسطى في صفواء، وعين طيبة في العوامية وعين اللبانية، فيما بين قريتي العوامية والقديح، وعين الرواسية في هذه الأخيرة، وعين القـُصَيْر غرب قرية التوبي وعين حمام أبو لوزة الشهير شمال القرية في الموضع المعروف بالخباقة.
منطقة القلعة لن يبقى للأجيال القادمة للأسف شيءٌ يربطهم بماضيهم العريق فقد أزيلت كل معالم الحضارة العمرانية التي خلفها الأجداد الأوائل والتي كانت شاهد إثبات على المستوى المعماري الفني الكبير الذي كانوا يتمتعون به في تصميم منازل سكناهم ومنها منازل قلعة القطيف التي أشرت إليها والتي كانت كما تدلّ الصور الملتقطة لها في بدايات ومنتصف القرن الميلادي العشرين غاية في الإبداع الهندسي المعماري.
السطو على الآثاروبالنسبة لمكتشفات عين جاوان في واحة القطيف فقد أخذت من قبل مكتشفيها وأخشى عدم إعادتها لوكالة الآثار السعودية بعد مدة من تأسيسها وكذلك هناك المسلّة الشهيرة التي اكتشفت قرب عين الأعراف شمال العوامية من واحة القطيف، والتي أخذت من قبل مكتشفها وصرنا فقط نسمع عنها من خلال البحوث والدراسات التي تتناول الآثار في المنطقة دون أن نراها وأما ما أخذ من واحة ثاج من آثار فهو أكثر من أنْ يُحصى وهناك إشارة من قائد البعثة الدانماركية التي نقّبت في بلدان الخليج جيوفري بيبي في كتابه البحث عن دلمون إلى أنّ جامعي الفخار من مدينة النفط بالظهران – كذا - قد مشطوا كامل المنطقة الشرقية بمشط دقيق الأسنان – حسب تعبيره – والسؤال هو أين كل ما عثروا عليه، وما مصيره؟ لا شك في أنّ معظمه قد أخذه مكتشفوه وبالتالي ضاع الآن ولا يمكن استرداده إلا بجهود مضنية.